إطلاق دراسات جديدة في مضيق جبل طارق لإحياء مشروع النفق القاري

اتفق المغرب وإسبانيا على الشروع في مرحلة جديدة من الدراسات العلمية المشتركة المتعلقة بالنشاط الزلزالي والبنية الجيولوجية بمضيق جبل طارق، وذلك في إطار إعادة تقييم مشروع النفق البحري المزمع أن يربط بين القارتين الإفريقية والأوروبية عبر خط سككي تحت البحر.

ويأتي هذا التوجه عقب توقيع مذكرة تفاهم خلال الاجتماع رفيع المستوى الأخير الذي جمع مسؤولي البلدين في مدريد، وتهدف إلى تعميق التعاون العلمي في منطقة تُعد من أكثر المناطق الجيولوجية تعقيدًا، لكونها تقع عند التقاء الصفيحتين الإفريقية والأوراسية.

وحسب معطيات رسمية، ستُنجز هذه الدراسات من طرف المعهد الجغرافي الوطني الإسباني بشراكة مع المركز الوطني للبحث العلمي والتقني بالمغرب، وستشمل أبحاثا معمقة حول النشاط الزلزالي واحتمالات حدوث موجات تسونامي، إلى جانب تبادل البيانات العلمية وتنسيق نشر شبكات الرصد الزلزالي والمعدات المتخصصة في أعماق البحر.

وأفادت مصادر مطلعة بأن هذه الدراسات، التي يرتقب أن تمتد على مدى ثلاث سنوات قابلة للتجديد، تندرج في صلب دعم مشروع النفق البحري، كما تخدم أنشطة الشركة الإسبانية العمومية المكلفة بدراسات الربط القاري عبر مضيق جبل طارق، والتي جرى إعادة تفعيلها خلال الأشهر الأخيرة بعد فترة طويلة من الجمود.

وفي هذا الإطار، شرعت الشركة المذكورة في إطلاق صفقات لاقتناء تجهيزات تقنية متطورة، من بينها أجهزة للرصد الزلزالي في قاع البحر ومعدات متخصصة في الجيوفيزياء والهيدروغرافيا، ما يعكس عودة الاهتمام الرسمي بالمشروع على المستويين العلمي والتقني.

ويظل العامل الجيولوجي من أبرز الإكراهات التي تواجه مشروع النفق، خصوصا في المنطقة المعروفة بـ“عتبة المضيق” غرب مضيق جبل طارق، حيث تقل الأعماق البحرية نسبيا، غير أنها تتميز بتعقيد كبير في طبيعة التربة وتعدد الطبقات الصخرية العمودية، وهو ما يطرح تحديات تقنية أمام عمليات الحفر.

ويرى خبراء سبق لهم الاشتغال على الدراسات الأولية للمشروع أن التقدم الذي شهدته تكنولوجيا آلات الحفر العملاقة قد يساعد في تجاوز جزء من هذه الصعوبات، رغم أن العامل الزلزالي يظل محددًا أساسيًا في الحسم في الجدوى النهائية للمشروع.

وأكد البيان المشترك الصادر عقب الاجتماع المغربي–الإسباني أهمية تعزيز الربط القاري وتسهيل تنقل الأشخاص والبضائع بين الضفتين، في انسجام مع الرؤية الاستراتيجية للشراكة الثنائية بين البلدين، مع التأكيد في الوقت ذاته على أن المشروع لا يزال في مرحلة الدراسات الأولية، وأن القرار النهائي بشأن تنفيذه لم يُحسم بعد.

وكانت السلطات الإسبانية قد شددت في تصريحات سابقة على أن مشروع النفق لا يزال بعيدًا عن مرحلة الإنجاز، بالنظر إلى كلفته المالية المرتفعة وتعقيداته التقنية الكبيرة، حيث يُتوقع أن تتجاوز تكلفته الحالية بكثير التقديرات الأولية التي وُضعت قبل عقود.

ويذكر أن فكرة الربط القاري بين المغرب وإسبانيا طُرحت لأول مرة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يتم التخلي عن خيار الجسر وتعويضه بمشروع نفق سككي مزدوج على غرار نفق المانش، يمتد لعشرات الكيلومترات تحت قاع البحر، وقد يصبح، في حال إنجازه، واحدًا من أطول الأنفاق البحرية في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى