عمرة‭ ‬رمضان..موسم‭ ‬استثنائي

بقلم – يوسف الجوهري

‭”‬كأنه‭ ‬موسم‭ ‬الحج‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬عمرة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭”‬،‭ ‬هكذا‭ ‬صرح‭ ‬أحد‭ ‬المعتمرين‭ ‬لـ‭”‬الصباح‭” ‬وهو‭ ‬يتابع‭ ‬حشود‭ ‬المعتمرين‭ ‬وقد‭ ‬غصت‭ ‬بهم‭ ‬شوارع‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭.‬

وحسب‭ ‬المصدر‭ ‬ذاته،‭ ‬وهو‭ ‬معتمر‭ ‬اعتاد‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬السعودية‭ ‬لأداء‭ ‬العمرة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬أو‭ ‬خارجه،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أداء‭ ‬فريضة‭ ‬الحج،‭ ‬فإن‭ “‬العمرة‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬تبقى‭ ‬استثنائية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬شتى‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬توجهوا‭ ‬إلى‭ ‬الديار‭ ‬المقدسة‭ ‬لأداء‭ ‬مناسك‭ ‬العمرة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭”‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ “‬عُمرَةٌ‭ ‬في‭ ‬رمَضَانَ‭ ‬تَعدِلُ‭ ‬حجة‭”…‬

ويرى‭ ‬المصدر‭ ‬ذاته‭ ‬أن‭ “‬التسهيلات‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬السلطات‭ ‬السعودية‭ ‬بتزامن‭ ‬مع‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬جعلت‭ ‬أعداد‭ ‬المعتمرين‭ ‬ترتفع،‭ ‬لتمحو‭ ‬صورة‭ ‬سنوات‭ ‬عجاف‭ ‬أصابت‭ ‬مواسم‭ ‬الحج‭ ‬والعمرة‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬الجائحة‭”‬،‭ ‬ليضيف‭ ‬المصدر‭ ‬ذاته‭ ‬أن‭ “‬تراجع‭ ‬حالات‭ ‬الإصابات‭ ‬وضعف‭ ‬فتك‭ ‬الفيروس‭ ‬بضحاياه‭ ‬جعل‭ ‬المعتمرين‭ ‬يقبلون‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬العمرة‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬حيث‭ ‬تسود‭ ‬الأجواء‭ ‬الروحانية‭ ‬بأداء‭ ‬الصلوات‭ ‬المفروضة‭ ‬وصلاة‭ ‬القيام‭ ‬والتهجد‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬البقاع‭ ‬المقدسة‭”.‬

‮ ‬وشكلت‭ ‬أعداد‭ ‬المعتمرين‭ ‬المغاربة،‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬بدورها‭ ‬ارتفاعا‭ ‬جعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬وكالات‭ ‬الأسفار‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬تلبية‭ ‬جميع‭ ‬الطلبات‭ ‬التي‭ ‬تلقتها‭. ‬‮ ‬

انضباط‭ ‬وتنظيم

لعل‭ ‬ما‭ ‬يشد‭ ‬الانتباه‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬معتمر‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الموسم‭ ‬هو‭ “‬الاحترافية‭” ‬الكبيرة،‭ ‬التي‭ ‬يشتغل‭ ‬بها‭ ‬السائرون‭ ‬على‭ ‬خدمة‭ “‬ضيوف‭ ‬الرحمان‭”‬،‭ ‬ولعلها‭ ‬الملاحظة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الاطمئنان‭ ‬يسود‭ ‬نفوس‭ ‬المعتمرين‭ ‬ويساعدهم‭ ‬على‭ ‬عيش‭ ‬الأجواء‭ ‬الروحانية‭ ‬التي‭ ‬يتوخونها‭ ‬من‭ ‬عمرتهم‭ ‬الرمضانية‭…‬

فعلى‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭ ‬تظل‭ ‬بيوت‭ ‬الرحمان‭ ‬فاتحة‭ ‬أبوابها‭ ‬لاستقبال‭ ‬المصلين‭ ‬لأداء‭ ‬الفرائض‭ ‬أو‭ ‬النوافل،‭ ‬أو‭ ‬التهجد‭ ‬الذي‭ ‬سيبدأ‭ ‬في‭ ‬العشر‭ ‬الأواخر،‭ ‬وهي‭ ‬الأجواء‭ ‬التي‭ ‬تتاح‭ ‬للمعتمرين‭ ‬بالمدينة‭ ‬المنورة‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الروحاني‭ ‬تسود‭ ‬حركة‭ ‬دؤوبة‭ ‬تنطلق‭ ‬بعد‭ ‬أداء‭ ‬صلاة‭ ‬العصر،‭ ‬لتبلغ‭ ‬ذروتها‭ ‬مع‭ ‬اقتراب‭ ‬أذان‭ ‬المغرب،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬دقائق‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬الأذان‭ ‬تكون‭ ‬الأكياس‭ ‬البلاستيكية‭ ‬البيضاء‭ ‬قد‭ ‬فُرشت‭ ‬أمام‭ ‬صفوف‭ ‬المصلين‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬مئات‭ ‬الأمتار‭.. ‬وأمام‭ ‬كل‭ ‬مصل‭ ‬يتم‭ ‬وضع‭ “‬زاد‭ ‬الإفطار‭”‬،‭ ‬وما‭ ‬يكاد‭ ‬الآذان‭ ‬يرتفع‭ ‬معلنا‭ (‬الله‭ ‬أكبر‭) ‬حتى‭ ‬تمتد‭ ‬أيدي‭ ‬المعتمرين‭ ‬إلى‭ ‬الأكياس‭ ‬التي‭ ‬يجدون‭ ‬فيها‭ ‬قنينة‭ ‬ماء‭ ‬وكأس‭ ‬ياغورت‭ “‬زبادي‭” ‬من‭ ‬الصنف‭ ‬الذي‭ ‬تنتجه‭ ‬الشركة‭ ‬السعودية‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التمر‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬زاد‭ ‬الصائم‭ ‬وطعامه‭ ‬الأساسي‭ ‬عند‭ ‬الإفطار،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬خبز‭ ‬لمن‭ ‬يفضل‭ ‬تناول‭ ‬الزبادي‭ ‬بالخبز‭”.‬

في‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭ ‬يكسر‭ ‬المعتمرون‭ ‬الصائمون‭ ‬صيامهم‭ ‬بتناول‭ ‬ما‭ ‬يحتوي‭ ‬عليه‭ ‬كيس‭ ‬كل‭ ‬مصل،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬دقائق‭ ‬معدودة‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬لوازم‭ ‬الإفطار‭ ‬قد‭ ‬جمعت‭ ‬بدقة‭ ‬متناهية،‭ ‬فاسحة‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬المصلين‭ ‬لأداء‭ ‬صلاة‭ ‬المغرب،‭ ‬وبعدها‭ ‬يكون‭ ‬المجال‭ ‬مفتوحا‭ ‬أمام‭ ‬من‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬إتمام‭ ‬إفطاره‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬مأكل،‭ ‬أو‭ ‬التفرغ‭ ‬للعبادة‭ ‬وقراءة‭ ‬القرآن،‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬رفع‭ ‬أذان‭ ‬صلاة‭ ‬العشاء‭.‬

تعبد‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة

لا‭ ‬يكاد‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬بالمدينة‭ ‬المنورة‭ ‬يفرغ‭ ‬من‭ ‬المصلين،‭ ‬فرغم‭ ‬شساعة‭ ‬هذا‭ ‬المسجد‭ ‬الشريف،‭ ‬فإنه‭ ‬يضيق،‭ ‬أحيانا‭ ‬بكثرة‭ ‬المصلين،‭ ‬الذين‭ ‬يلجؤون‭ ‬إلى‭ ‬سطحه‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬امتلأ‭ ‬فناؤه‭ ‬وباحته،‭ ‬وفي‭ ‬السطح‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة،‭ ‬يعمل‭ ‬القيميون‭ ‬على‭ ‬شؤون‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬المقدسة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ “‬رشاشات‭” ‬خفيفة‭ ‬تنعش‭ ‬مياهها‭ ‬الباردة‭ ‬الأجواء‭ ‬لتيسر‭ ‬تدبر‭ ‬وصلاة‭ ‬المعتمرين‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭.‬

طلب‭ ‬فاق‭ ‬العرض

في‭ ‬ظل‭ ‬تسجيل‭ ‬بعض‭ ‬حالات‭ ‬عدم‭ ‬التزام‭ ‬بعض‭ ‬الوكالات‭ ‬السياحية‭ ‬بالتعهدات‭ ‬التي‭ ‬قطعتها‭ ‬مع‭ ‬زبائنها‭ ‬من‭ ‬المعتمرين،‭ ‬ذكر‭ ‬مصدر‭ ‬مطلع‭ ‬ل‭ “‬الصباح‭” ‬أن‭ “‬موسم‭ ‬العمرة‭ ‬هذا‭ ‬الموسم‭ ‬استثنائي‭ ‬بجميع‭ ‬المقاييس‭”‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ “‬وكالات‭ ‬تفتقد‭ ‬للخبرة‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬رحلات‭ ‬العمرة‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬استخلاص‭ ‬رسومات‭ ‬مالية‭ ‬من‭ ‬الزبائن،‭ ‬لتجد‭ ‬نفسها،‭ ‬بعد‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬تذاكر‭ ‬الطائرات‭ ‬والفنادق‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬مبتغى‭ ‬المنخرطين‭ ‬لديها‭”‬،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬وقعت‭ ‬فيه‭ ‬وكالات‭ ‬بتطوان‭ ‬و‭ ‬مراكش‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬لترتفع‭ ‬أصوات‭ ‬المحتجين‭ ‬للتنديد‭ ‬بما‭ ‬وقعوا‭ ‬فيه‭ ‬من‭ “‬نصب‭”.‬‮ ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬صرح‭ ‬مسير‭ ‬وكالة‭ ‬أسفار،‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬فروع‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬تطوان،‭ ‬وطنجة‭ ‬والبيضاء،‭ ‬أن‭ “‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬عمرة‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬لهذا‭ ‬الموسم‭ ‬كان‭ ‬كبيرا‭”‬،‭ ‬إذ‭ “‬فاق‭ ‬الطلب‭ ‬جميع‭ ‬العروض‭ ‬التي‭ ‬تتيحها‭ ‬وكالات‭ ‬الأسفار‭ ‬لزبائنها‭”‬،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ “‬حوالي‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬عمرة‭ ‬رمضان‭ ‬الموسم‭ ‬الحالي‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬رغباتهم‭”‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬تذاكر‭ ‬السفر‭ ‬باتت‭ ‬عملة‭ ‬نادرة‭ ‬يتم‭ ‬البحث‭ ‬عنها‭ ‬بشق‭ ‬الأنفس‭ ‬دون‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭”.‬

كما‭ ‬أشار‭ ‬المتحدث‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬تصريحه‭ ‬ل‭ “‬الصباح‭” ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬الإقبال‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬عمرة‭ ‬رمضان‭ ‬1444،‭ ‬كان‭ ‬استثنائيا،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬أسعار‭ ‬تذاكر‭ ‬الطائرات‭ ‬تحلق‭ ‬عاليا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أسعار‭ ‬الفنادق‭ ‬بدورها‭ ‬ارتفعت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬خاصة‭ ‬بالمناطق‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬بالمدينة،‭ ‬أو‭ ‬بالحرم‭ ‬المكي،‭ ‬وهي‭ ‬الفضاءات‭ ‬التي‭ ‬تؤدى‭ ‬بها‭ ‬مناسك‭ ‬العمرة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬موسم‭ ‬استثنائي‭ ‬ارتفعت‭ ‬فيه‭ ‬طلبات‭ ‬السفر‭ ‬صوب‭ ‬الديار‭ ‬المقدسة‭ ‬لأداء‭ ‬العمرة‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬كريم‭ ‬يكثر‭ ‬فيه‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬التعبد‭ ‬وقراءة‭ ‬القرآن‭”.

وأشار‭ ‬مصدر‭ “‬الصباح‭” ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أعداد‭ ‬المعتمرين‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬الأيام‭ ‬العشر‭ ‬الأواخر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬التي‭ ‬توصف‭ ‬بأيام‭ “‬العتق‭ ‬من‭ ‬النار‭”‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬ص‭) ‬يصف‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬بأنه‭ “‬شهر‭ ‬أوله‭ ‬رحمة‭ ‬وأوسطه‭ ‬مغفرة،‭ ‬وآخره‭ ‬عتق‭ ‬من‭ ‬النار”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى