ولاية انتخابية ضعيفة وحصيلة هزيلة – أزمة التدبير المحلي في المغرب –

متابعة | ياسر الصيباري

تعيش الولاية الانتخابية الحالية في المغرب واحدة من أكثر الفترات اضطرابا، حيث أصبحت المجالس المنتخبة عاجزة عن تحقيق انتظارات المواطنين، في ظل توالي الفضائح القضائية التي طالت عددا من المنتخبين، سواء عبر المتابعات أو الأحكام الصادرة ضدهم أو قرارات العزل الإداري التي شملت رؤساء جماعات.

هذا الواقع يطرح إشكاليات جوهرية حول طبيعة النخب السياسية المسيرة للشأن المحلي، ومدى قدرتها على تدبير التنمية وفق مقاربات نزيهة وفعالة.

ضعف الحكامة المحلية وتآكل الثقة

رغم أن الدستور المغربي منح المجالس المنتخبة صلاحيات واسعة في تدبير الشأن المحلي، إلا أن الحصيلة على الأرض تكشف عن إخفاق واضح في استثمار هذه الصلاحيات لخدمة التنمية، فالعديد من المجالس غرقت في الحسابات السياسية الضيقة، والصراعات الداخلية التي شلت عملها، بدل أن تركز على تنفيذ برامج تنموية تعود بالنفع على الساكنة.

كما أن انتشار الفساد الإداري وسوء التدبير في بعض الجماعات أدى إلى تحريك المتابعات القضائية، ما جعل المواطن يفقد الثقة في قدرة المنتخبين على إدارة الشأن العام بنزاهة. فرؤساء جماعات وُجهت لهم اتهامات تتعلق بالاختلاس، والتلاعب في الصفقات العمومية، واستغلال النفوذ، وهو ما يفسر العدد المتزايد للقضايا المعروضة على المحاكم، والتي غالبًا ما تنتهي بأحكام عزل أو إدانات بالسجن والغرامات المالية.

غياب الرؤية الاستراتيجية والمشاريع التنموية

إلى جانب الفضائح القضائية، تعاني المجالس المنتخبة من ضعف واضح في تنفيذ مشاريع تنموية ملموسة. فالعديد من المدن والقرى لا تزال تعاني من هشاشة البنيات التحتية، وضعف الخدمات الأساسية، وغياب برامج واقعية للنهوض بالقطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والنقل.

وبدل تقديم مخططات تنموية مبنية على رؤية استشرافية، يظل تدبير العديد من الجماعات خاضعا لمنطق التسيير اليومي العشوائي، حيث تفتقر المشاريع الكبرى إلى دراسة جدوى واضحة، وغالبا ما يتم تنفيذها ببطء شديد أو تتعثر بسبب مشاكل في التمويل وسوء التخطيط.

دور السلطات المحلية في ضبط الإيقاع

في ظل هذا الواقع، برز دور السلطات المحلية كفاعل أساسي في تصحيح الاختلالات التي يعرفها التدبير الجماعي، حيث تدخلت وزارة الداخلية في عدة مناسبات لعزل منتخبين ثبت تورطهم في تجاوزات قانونية أو سوء تدبير واضح، كما أن الولاة والعمال باتوا يضطلعون بدور متزايد في تتبع تنفيذ المشاريع وضبط إيقاع العمل الجماعي، وهو ما يعكس الحاجة إلى تعزيز آليات الرقابة والمحاسبة.

ولاية انتخابية هزيلة وحاجة إلى إصلاح جذري

مع اقتراب نهاية الولاية الحالية، يبدو أن الحصيلة العامة للمجالس المنتخبة مخيبة للآمال، إذ لم تحقق وعودها الانتخابية، ولم تنجح في تقديم نموذج جديد للحكامة المحلية، وإذا استمر الوضع على هذا المنوال، فإن فقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة قد يتفاقم، ما يستوجب إصلاحا عميقا يعيد الاعتبار للمنتخب المحلي كفاعل تنموي، وليس مجرد رقم في معادلة سياسية تخدم مصالح ضيقة.

خِتاما نقول، إن الخروج من هذا النفق يتطلب مراجعة شاملة لمنظومة الانتخابات المحلية، وتعزيز آليات المساءلة، وربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل أكثر صرامة، حتى لا تظل المجالس المنتخبة مجرد واجهة شكلية تفتقد للفعالية والنجاعة في تدبير الشأن العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى