جيل Z وجهه مكشوف..وتطبيق Discord قناع يخفي المجهول

حمزة البوايشة | باحث في سلك الدكتوراه

بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها بعض المدن المغربية، وما رافقها من انفلاتات أمنية وخسائر في الأرواح والممتلكات، وجدت نفسي مضطرا للتوقف عندالنقاشات عبر تطبيق Discord، فمنذ الوهلة الأولى بدا لي هذا الفضاء مختلفا عن غيره من منصات التواصل الاجتماعي، فطريقة الولوج إليه معقدة، والحديث داخله يجري بين حسابات مستعارة بلا أسماء حقيقية ولا ملامح هوية، فلا جنسية معروفة ولا بلد ظاهر، ولا حتى مؤشرات عمرية يمكن الاطمئنان إليها، وهنا يطرح السؤال: من يقف خلف هذه الحسابات؟ هل هم فعلا من جيل الشباب المغربي؟ أم أنهم خبراء تواصل محترفون ينفذون أجندات مجهولة من وراء ستار؟

النقاشات داخل تلك الغرف الافتراضية قد تبدو في ظاهرها عاقلة ومرتبة، لكنها تخفي بين ثناياها دعوات خطيرة إلى العنف والتحريض، تصل أحيانا إلى اقتراح استعمال الزجاجات الحارقة أو شل المرافق الحيوية، والأدهى أن هذه الدعوات لا تحترم أي إطار زمني أو تنظيمي، مما يجعلها وقودا لانفلاتات غير محسوبة العواقب.

لكن إذا كان Discord قد فتح الباب أمام الفوضى الرقمية، فإنني شخصيا لا أرى فيه صورة لجيل Z المغربي، لقد شاهدت هذا الجيل في الساحات العامة، شجاعة ووعيا وحضارية، شباب يخرجون بوجوه مكشوفة، يرفعون مطالب اجتماعية مشروعة، ويدافعون عن حقوقهم بكل جرأة تحت سقف القانون، فكثير منهم، حتى أثناء الاحتكاك برجال الأمن، لم يترددوا في تقديم بطائق هويتهم، في دلالة واضحة على أنهم لا يختبئون وراء أسماء مستعارة ولا يتهربون من المسؤولية.

المفارقة صارخة: في الوقت الذي تملأ فيه الحسابات الوهمية فضاءات رقمية بالتحريض، يختار أغلب شبابنا الواقعي أن يكون صوته علنيا، ومسؤوليته واضحة، وانتماؤه للوطن راسخا، هم شباب يغضبون من سياسات حكومية غير شعبية دفعتهم إلى الشارع، لكنهم في المقابل متمسكون بثوابتهم الوطنية وعلى رأسها المؤسسة الملكية باعتبارها الضامن الأول للاستقرار والأمن.

لذلك، فإن المسؤولية اليوم لا تقف فقط عند حدود ضبط المنصات الرقمية المشبوهة، بل تتعداها إلى ضرورة مراجعة السياسات العمومية التي صنعت التوتر وأجبرت الشباب على الخروج للاحتجاج، شباب Z ليس عدوا للوطن، بل هو طاقة نضالية صادقة، تبحث عن الكرامة والعدالة الاجتماعية، والخطر الحقيقي ليس في هذا الجيل، وإنما في الفراغ السياسي والاقتصادي الذي تركته الحكومة، وفي الأدوات الرقمية التي تحاول استغلال هذا الغضب لغايات لا علاقة لها بمطالب المغاربة.

إنه من عبث القدر وسوداوية المشهد أن يطل علينا حساب مستعار باسمٍ هزلي مثل piw piw ليحدد مواعيد الاحتجاجات، ويعلن عن أماكنها كمن يوزّع تعليمات من غرفة مظلمة، وكأنه يتحكّم في مصير أمة بأكملها عبر ضغطة زر، هذا ليس مجرد فكاهة باهتة، بل جرس إنذار: عندما تصبح قرارات الشارع وموعد جمع الناس لعبة في يد مجهول، نفقد معالم المساءلة وتتعاظم مخاطر الانزلاق إلى العنف والفوضى.

ولعل الحل لا يمر فقط عبر ضبط هذه المنصات وملاحقة الحسابات الوهمية، بل أيضا بخلق فضاءات مؤسساتية للنقاش العمومي، تمكّن الشباب من التعبير عن آرائهم بكل حرية ومسؤولية، بعيدا عن الأقنعة الرقمية والوسائط المجهولة، فحين يجد الجيل الجديد منصات رسمية وشرعية تحتضن صوته وتستمع لمطالبه، لن يضطر إلى الارتماء في أحضان غرف افتراضية عابرة للحدود تُغذّي العنف وتُجهِض النقاش الحقيقي.

إن ثقتي في شبابنا ثابتة، لكن ثقتي في Discord منعدمة، بين شباب يرفع صوته علنا دفاعا عن وطنه، وحسابات وهمية تختبئ خلف الشاشات، يجب أن نعرف أين نقف، وأي جيل نحتضن: جيل وطني، حضاري، واع، أم جيل افتراضي بلا ملامح ولا مسؤولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى