الإجرام بطنجة.. حين يُلام الأمن على فشل الأسرة والمجتمع

كتبه | حمزة البوايشة ( باحث أكاديمي في القانون الجنائي )

من المؤكد أن مدينة طنجة تشهد في الآونة الأخيرة تناميا مقلقا للظاهرة الإجرامية، حيث لا يكاد يمر يوم دون تسجيل حادث إجرامي من مختلف الأشكال والدرجات. هذه الحوادث، التي كانت نادرة في السابق، أصبحت اليوم خبرا يوميا في مدينة عُرفت طويلا بهدوئها وأمنها واستقرارها، وكانت تُضرب بها الأمثال في السكينة والعيش الآمن.

ومع تصاعد هذه الظاهرة، وُجّهت سهام النقد والاتهام إلى الأجهزة الأمنية، التي حُمّلت كامل المسؤولية عمّا يجري، غير أن هذا التوجه، وإن كان مفهوما من منطلق رد الفعل المجتمعي، إلا أنه يفتقر إلى قراءة موضوعية ومتأنية لطبيعة ما يحدث ولتوزيع المسؤوليات الحقيقية.

فعندما يعمد تلميذ إلى طعن زميله بالسلاح الأبيض داخل أسوار مؤسسة تعليمية، يصبح من المجحف تحميل الأمن المسؤولية الكاملة، فهل كان على عناصر الأمن أن تفتّش حقائب التلاميذ قبل دخولهم إلى فصولهم الدراسية؟ أليس من البديهي أن الأسرة، والمجتمع، والمنظومة التربوية بكل مكوناتها، هي الجهات المعنية أولا بتأطير هذا التلميذ وتربيته وتحصينه من السلوك المنحرف؟.

وقبل هذه الواقعة، استفاقت طنجة على جريمة قتل نفّذها زوج في حق زوجته، في الساعات الأولى من الصباح، فهل كان على الأمن أن يراقب الحياة الخاصة للأزواج داخل منازلهم؟ أم أن هذه الجرائم تكشف، في جوهرها، عن اختلالات أعمق تتطلب تدخلات اجتماعية، اقتصادية، ونفسية؟ أليس من مسؤولية الحكومة أن تخفف من الاحتقان الاجتماعي من خلال تحسين القدرة الشرائية، وتوفير فرص الشغل، وتخفيف البطالة، وغيرها من الإجراءات التي من شأنها تقليص منسوب التوتر والانفجار داخل الأسر؟.

كما لا يمكن تجاهل ظاهرة الانتحار التي باتت تُسجل بشكل شبه يومي، وهي الأخرى نتيجة معقدة لتراكمات متعددة، منها النفسي والاجتماعي والاقتصادي، لا شك أن الأمن معني بجانب منها، كالتصدي لترويج المخدرات، ولكن الأمن وحده لا يمكن أن يكون الحَكم والمنفّذ والمُعالِج في آنٍ واحد.

فمدينة طنجة تعرف انفجارا ديموغرافيا غير مسبوق، إذ صنّفها آخر إحصاء سكاني كثاني أكثر مدينة نموا سكانيا على الصعيد الوطني، ما يصعّب من مهمة الأجهزة الأمنية في تتبع مختلف الظواهر، ومنها ترويج المخدرات، ويُضاف إلى ذلك الانتشار الكبير للأحياء العشوائية التي شُيّدت في ظروف غير قانونية، وغالبا دون أدنى مقومات العيش الكريم، ما ساهم في تفشي الإجرام والتهميش الاجتماعي.

ولا يمكن كذلك إغفال الأثر السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تروج لانحطاط أخلاقي دون حسيب أو رقيب، في ظل غياب تام للدور التربوي للأسرة، وغياب التأطير المدني الذي من المفترض أن تضطلع به الجمعيات والأحزاب.

إن الوضع الأمني في طنجة اليوم هو نتاج تراكمي لاختلالات متعددة، منها ما هو اجتماعي، اقتصادي، أخلاقي وتربوي، وإذا أردنا فعلا معالجة هذه الظاهرة، فلا بد من الجرأة في الاعتراف بمسؤوليتنا الجماعية، بدل الاكتفاء بلوم طرف واحد، وتحميل جهاز الأمن عبء ظواهر تفوق طاقته واختصاصاته.

الأمن يبذل مجهودا واضحا للتقليل من الجرائم، لكن النجاح في التصدي للظاهرة يقتضي تضافر كل الجهود: الأسرة، المدرسة، المجتمع المدني، الإعلام، والسياسات العمومية، وحده العمل الجماعي هو القادر على إحداث التغيير الحقيقي، وتحقيق الأمن بمفهومه الشامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى