طنجة المتوسط في مرمى الاحتجاجات..ما الذي لا يُقال؟

متابعة | ياسر الصيباري
في عالم تتحدد فيه موازين القوى من خلال الممرات البحرية وسلاسل الإمداد، لم يعد موقع المغرب الجغرافي مجرد معطى جغرافي بحت، بل ورقة استراتيجية تشكل ركيزة من ركائز سيادته الحديثة. موانئ المملكة، وفي طليعتها ميناء طنجة المتوسط، لم تعد مجرد أرصفة للتفريغ والشحن، بل مفاصل حيوية تضع المغرب في قلب الاقتصاد العالمي، وتمنحه موقعًا تنافسياً في معادلة تجارية دولية شديدة التقلب.
ففي الآونة الأخيرة، لم تقتصر حملات التشويش على الداخل فقط، بل انخرطت جهات إعلامية خارجية في تحريض مبطّن يستهدف ضرب صورة الموانئ المغربية.
وفي تصعيد جديد، أطلقت قناة الجزيرة القطرية حملة إعلامية وُصفت بـ”التظليلية”، تتهم فيها موانئ المملكة باستقبال سفن تنقل بضائع إلى إسرائيل، في محاولة واضحة لتأليب الرأي العام المغربي، خصوصًا داخل بعض الأوساط اليسارية والناشطين المؤيدين للقضية الفلسطينية.
لكن المتأمل في خلفيات هذه الحملة يكتشف أنها تتجاوز مجرد الخطاب “االنضالي” الظاهري، إذ تُطرح أسئلة جادة حول دوافع هذا التحرك الإعلامي، خاصة في ضوء التنافس الإقليمي المتصاعد على الريادة اللوجستية، فميناء طنجة المتوسط بات رقمًا صعبًا في معادلة التجارة البحرية الدولية، ويُنافس موانئ كبرى في الخليج، بينها موانئ قطر التي تخشى من التحول المغربي السريع إلى مركز لوجستي عالمي على بوابة الأطلسي والمتوسط.
الأكثر مفارقة أن قناة الجزيرة، التي ترفع شعار المهنية والحياد، تغض الطرف عن علاقات الدوحة الواسعة مع إسرائيل في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والموانئ، وتتناسى وجود أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط على التراب القطري، كل هذا، في الوقت الذي كان فيه المغرب من أوائل الداعمين لقطر خلال أزمة الحصار سنة 2017، فهل يكون ردّ الجميل هو استهداف مؤسساتنا الحيوية؟
الأكيد أن هذه الحملة لا تندرج فقط ضمن حرب إعلامية، بل تأتي في سياق تنافسي دولي شرس، حيث لم يعد الصراع يتم فقط على الأرض، بل على مستوى الصورة، والمصداقية، والاستثمار. وهي محاولة لضرب الثقة في موانئ المغرب التي تُدار وفق أعلى المعايير الدولية، وتخضع لرقابة صارمة من قبل الدولة المغربية.
من جهة أخرى، تستغل بعض الأطراف الداخلية هذه الأجواء المشحونة لطرح دعوات متكررة نحو التظاهر في الموانئ، أو المطالبة بمنع رسو السفن، في تجاهل تام لكون هذه المنشآت ليست ميادين للتعبئة السياسية، بل مفاصل حيوية تُغذي الاقتصاد الوطني، وتسهر على الأمن الغذائي، وتخلق فرص الشغل، وتجعل المغرب طرفًا محوريًا في سلاسل الإمداد العالمية.
إن تحويل الموانئ إلى رهائن بين أيدي من يسعون لتسجيل “نقاط نضالية”، سواء من الداخل أو الخارج، لا يمكن اعتباره مقاومة، بل هو مقامرة بمستقبل بلد بأكمله، فالحفاظ على الموانئ المغربية لا يتعلق فقط بالبنية التحتية، بل برؤية استراتيجية عميقة تراهن على الموقع الجغرافي، والكفاءة التنظيمية، والسيادة.
في عالم تتحكم فيه سلاسل الإمداد في خرائط النفوذ، تبقى الموانئ المغربية، وفي مقدمتها طنجة المتوسط، خطًا أحمر لا يجب التفريط فيه، والتصدي للحملات الإعلامية الموجهة، وكذا للخطابات الشعبوية، مسؤولية جماعية تقتضي الوعي، والنقاش الرصين، والانتصار للمصلحة العليا، بعيدًا عن صخب الخطابات التظليلية.