حكم قضائي يفصل بين الشأن الخاص والسياسي في قضية بولعيش

شهدت مدينة طنجة، خلال الأيام الأخيرة، نقاشا واسعا عقب الوعكة الصحية المفاجئة التي تعرض لها رئيس جماعة كزناية وعضو مجلس المستشارين محمد بولعيش، والتي استدعت نقله على وجه السرعة إلى المستشفى، في واقعة تزامنت مع إجراء قانوني باشرته الشرطة القضائية في إطار ملف ذي طابع تجاري. هذا التزامن كان كافيا لفتح باب التأويل، ودفع بعض المنابر الإعلامية إلى ربط ما جرى بخلفيات سياسية، رغم غياب أي معطيات رسمية تؤكد ذلك.

وحسب مصادر متطابقة، فإن الحالة الصحية لبولعيش تدهورت بشكل مفاجئ، ما استوجب نقله إلى مستشفى محمد الخامس حيث خضع للعلاجات الضرورية تحت المراقبة الطبية. غير أن تزامن هذا الوضع الصحي مع مسطرة قانونية مرتبطة بديون محل نزاع، خلق حالة من الخلط لدى الرأي العام، وساهم في انتشار روايات متسرعة تجاوزت الإطار الواقعي للملف.

المستجد الأبرز في القضية تمثل في قرار المحكمة المختصة، التي قضت لاحقا ببطلان مسطرة الإكراه البدني التي اتُخذت في حق المعني بالأمر. واعتبر هذا الحكم فاصلا في توضيح مسار القضية، بعدما خلصت المحكمة إلى عدم استيفاء الشروط القانونية التي تبرر اللجوء إلى هذا الإجراء الاستثنائي.

واعتمدت المحكمة في قرارها على معطيات تؤكد أن بولعيش يتوفر على ملاءة مالية وممتلكات قابلة للتنفيذ، سواء كانت عقارية أو منقولة، وهو ما يجعل اللجوء إلى الإكراه البدني غير مشروع في هذه الحالة. كما أبرز الحكم أن القانون يتيح للدائن وسائل أخرى لاستخلاص مستحقاته، من قبيل الحجز التحفظي أو التنفيذي، دون المساس بحرية الشخص.

وأكد القرار القضائي، مرة أخرى، أن الإكراه البدني يظل إجراء استثنائيا لا يلجأ إليه إلا في حالات محددة، عندما يثبت عجز المدين الكامل وعدم توفره على أي ضمانات، وهو ما لم يتوفر في هذه القضية وفق الوثائق والمعطيات المعروضة.

في المقابل، أثار تداول تفاصيل ذات طابع شخصي وتجاري، لا ترتبط بتدبير الشأن العام، استغراب عدد من المتابعين، الذين تساءلوا عن خلفيات تسريبها، وعن حدود المسؤولية المهنية في التعاطي مع ملفات من هذا النوع، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصية منتخبة.

ويرى متابعون للشأن المحلي أن ما تعرض له بولعيش لا يمكن فصله عن موقعه داخل المشهد الاقتصادي والسياسي بالمدينة، معتبرين أن محاولة الزج باسمه في سياق ملتبس قد تخدم أجندات تهدف إلى التشويش على صورته، خصوصا في ظل الحديث عن حضوره وشعبيته محليا.

وفي النهاية، تعيد هذه القضية طرح إشكاليتين أساسيتين؛ الأولى قانونية، تتعلق بضرورة التقيد الصارم بشروط تطبيق المساطر الاستثنائية، والثانية إعلامية، ترتبط بأخلاقيات المهنة وحدود الحق في النشر. وبين هذا وذاك، يبقى الرهان قائما على تكريس ممارسة تحترم القانون وتحفظ كرامة الأفراد، بعيدا عن التسرع والإثارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى