هل تلتقط الأحزاب الإشارة الملكية وتقطع مع “الشْكارة” وتزكي الكفاءات

بقلم | ياسر الصيباري
تبدو الكرة فعلا في ملعب الأحزاب الآن بعد الخطاب الملكي في ذكرى عيد العرش يوم 29 يوليوز 2025 الذي وضع سقفا زمنيا واضحا لتجهيز المنظومة المؤطرة لانتخابات 2026 واعتمادها قبل نهاية السنة الجارية بما يضمن وضوح القواعد ونزاهة التنافس منذ الآن، فقد شدد الخطاب على ضرورة أن تكون قواعد اللعبة جاهزة ومعلومة للجميع وأن تنطلق المشاورات تباعا تحضيرا لهذا الاستحقاق، وهنا جاء التكليف المباشر لوزارة الداخلية بإطلاق المشاورات مع مختلف الفاعلين السياسيين. الرسالة السياسية صريحة ومباشرة، الإصلاح الانتخابي يجب أن يسبق السباق الانتخابي لا أن يواكبه.
من الإشارة الملكية إلى ورش المشاورات
تفاعلت وزارة الداخلية بسرعة وعقدت يوم 2 غشت اجتماعين متتاليين مع قادة كل الأحزاب تمهيدا لمراجعة القوانين المؤطرة لانتخابات مجلس النواب لسنة 2026، وبعدها انخرطت الأحزاب في إعداد مذكراتها وقدمتها قبل نهاية غشت كما طلب منها.
بهذا المعنى لم تبق الإشارة في خانة البروتوكول بل تحولت إلى رزنامة عمل سياسية وقانونية معلنة، غير أن جوهر السؤال يبقى في مضمون تلك المقترحات وفي جدية تطبيقها.
ماذا تقترح الأحزاب حاليا؟
ما تسرب من المذكرات يكشف اختلافا حول هندسة التمثيل أكثر من كونه قطيعة مع أعطاب الممارسة. هناك من يدفع نحو إلغاء القاسم الانتخابي بصيغته الحالية والعودة إلى صيغ تقوي الفاعلية التمثيلية، وهناك من يقترح تثبيت الاقتراع باللائحة مع عتبة انتخابية في حدود ثلاثة في المائة ومراجعة التقطيع بما يعكس التغيرات الديمغرافية، كما برز دعم واسع لاستمرار إشراف وزارة الداخلية التقني والإجرائي على الانتخابات مع تشديد الآليات الضامنة للنزاهة، هذه العناوين تؤشر على نقاش سياسي حي لكنه ما زال يدور غالبا حول قواعد قسمة المقاعد أكثر من معايير انتقاء المرشحين داخل الأحزاب نفسها.
القوانين جاهزة للتطوير لكن الاختبار داخلي!
من الناحية التشريعية توجد ترسانة قابلة للتهذيب في المدى القصير وعلى رأسها القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب وتعديلاته بموجب 04.21 وغيرها من النصوص ذات الصلة التي تنتظر مخرجات المشاورات الجارية. إلا أن رهان تجويد الانتخابات لا يقف عند صياغة المواد بل عند تفعيلها وربط المسؤولية بالمحاسبة وضبط التمويل الحزبي والانتخابي، هنا يتقدم المجلس الأعلى للحسابات بتقاريره الدورية حول تدقيق حسابات الأحزاب وفحص نفقات الحملات، هذه الأدوات الرقابية موجودة لكنها تحتاج إلى توسيع الفعالية والتتبع القضائي والإداري في الزمن الحقيقي خلال الحملات لا بعد انصرامها فقط.
منطق “الشْكارة” كيف نكسره عمليا؟
شراء الأصوات واستعمال المال الانتخابي ليسا مجرد سلوكات هامشية بل ثقافة موازية تتغذى من هشاشة آليات الانتقاء الداخلي والحاجة إلى تمويل الحملات، جزء من المقترحات الحزبية يتجه اليوم إلى تشديد العقوبات والزجر ضد شراء الأصوات والوساطة فيها وربط الدعم العمومي بمؤشرات الشفافية وجودة الحكامة الداخلية، هذه وجهة صحيحة لكنها غير كافية ما لم تُستكمل بإصلاحات تنظيمية داخل الأحزاب نفسها مثل لجان انتقاء مستقلة ومعايير مضبوطة للمرشح وتدقيق السيرة المالية والضريبية قبل التزكية واعتماد ميثاق أخلاقي ملزم مع آليات رصد ميدانية بالتعاون مع السلطات الرقابية والقضائية.
تزكية الكفاءات مطلب قديم بإيقاع جديد
فكرة ضخ دماء جديدة وتقديم نخبة من الكفاءات ليست وليدة اليوم. سبق أن نبهت خطب ملكية إلى الحاجة إلى جيل جديد من الكفاءات داخل المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية.
الجديد اليوم هو ربط هذا المطلب بسقف زمني وباستحقاق انتخابي قريب ما يجعل اختبار الأحزاب ملموسا وقابلا للقياس من خلال لوائح مرشحيها. المطلوب ليس تلوين اللوائح ببعض الوجوه الشابة والنسائية فقط بل تغيير منهج الانتقاء حتى لا تكون الكفاءة مجرد زينة لوجوه محسومة مسبقا.
سيناريوهات الاستجابة الحزبية
السيناريو المتفائل يقوم على التزام فعلي بميثاق شرف انتخابي بين الأحزاب يتضمن رفض تزكية المتابعين قضائيا في قضايا الرشوة والاختلاس والترامي على الملك السلالي والغابوي والجماعي، والتزوير والاتجار في البشر والمخدرات وما شابه متى كانت هناك أحكام نهائية أو قرائن قوية تؤثر على سمعة المؤسسة، كما يقوم على إعلان معايير انتقاء داخلية قابلة للتدقيق ونشرها علنا وربطها بآليات الطعن الداخلي. عندها فقط يمكن الحديث عن برلمان مختلف يليق بلحظة المونديال ويواكب الأوراش الاستثمارية والهيكلية الجارية.
السيناريو الواقعي المرجح هو تحسين جزئي على القواعد القانونية والتنظيمية مع استمرار سلوكيات انتهازية في بعض الدوائر خصوصا حيث عصبيات المال والمحسوبية قوية، هنا يصبح القياس الحقيقي في نسبة المرشحين الجدد ذوي السيرة المهنية النظيفة وعدد الدوائر التي ستشهد تنافسا برامجيا لا زبونيا.
أما السيناريو المتشائم فيتمثل في اختزال ورش الإصلاح في تفاصيل تقنية حول القاسم والعتبة والتقطيع مع بقاء مفاتيح التزكية بيد شبكات الولاء والإنفاق غير الشفاف، عندها ستصطدم الآمال بواقع دورة جديدة من العزوف وانخفاض الثقة العامة.
ماذا يعني برلمان المونديال؟
المغرب مقبل على رهانات ضخمة في أفق 2030 تقتضي دورة تشريعية تواكب الاستثمارات والبنيات الكبرى وتراقبها بفعالية وتسن تشريعات مرنة وجريئة في مجالات الاقتصاد الأخضر والحوكمة الترابية وتمويل المدن والبنيات الرياضية والسياحية.
برلمان المونديال ليس شعارا بل وظيفة تشريعية ورقابية تستدعي كفاءات قادرة على صياغة قوانين معقدة وقراءة التقارير المالية واستجواب المديرين العامين للمؤسسات العمومية بفاعلية، هذا لا يحدث تلقائيا بل يبدأ من لوائح حزبية مبنية على الكفاءة والنزاهة لا على “الشْكارة”.
خطة عملية للأحزاب قبل إعلان اللوائح
إعلان معايير انتقاء مكتوبة وقياسها علنا. فرض كشف الذمة المالية والضريبية للمرشحين داخليا وربط التزكية باستمارة تضارب المصالح. تدقيق السوابق والأحكام النهائية والتصريح بأي نزاع قضائي قائم، إقرار سقوف إنفاق داخلية أدنى من السقوف القانونية مع تتبع رقمي فوري.
منع الهبات والوساطات خلال الحملة عبر لجان داخلية للطوارئ، تدريب الوكلاء على قواعد التمويل والإنفاق القانوني، تفعيل آلية شكايات مستقلة للمناضلين والمنافسين مع حماية المبلغين، توقيع ميثاق شرف بين الأحزاب في العمالات والأقاليم لرفض المال الانتخابي.
ختاما، نقول أن الإشارة الملكية هذه المرة جاءت مرفوقة بجدول زمني وأُتبعت بمشاورات رسمية ومذكرات رفعتها الأحزاب إلى وزارة الداخلية، سيظهر الفرق خلال الأسابيع والأشهر المقبلة في مضامين مشاريع القوانين وفي لوائح المرشحين.
إن تحول مذكرات الأحزاب من بروتوكول إلى التزام عملي سيقاس بالنتائج لا بالشعارات وبما إذا كان الرهان القانوني سيقترن بإصلاح داخل الأحزاب يقطع مع ثقافة الشكارة ويمنح الأفضلية للكفاءات والشباب والنساء، عندها فقط، يمكن الحديث عن دورة تشريعية مختلفة تستحق عنوان برلمان المونديال.



