فؤاد السعدي يكتب: حكومة العبث

بقلم: فؤاد السعدي


ما وقع للمغاربة مع أخنوش رئيس حكومتهم الجديد  ينطبق على الثور الأحمر عندما انفرد به الأسد وقرر أن يفترسه لينادي بأعلى صوته “أُكِلتُ يوم أُكل الثور الأبيض”،  وقصة هذه المقولة هي أن ثيرانا ثلاثة كانوا في الغابة، أحدهم أبيض، والثاني أسود، والثالث أحمر، وكان معهم أسد، فكان لا يقدر عليهم مجتمعين، فقال للثور الأسود والأحمر إنه لا يدل علينا في موضعنا هذا إلا الثور الأبيض، فإن لونه مشهور ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله لصفا لنا العيش بعد ذلك، وكُتم أمرنا، فقالا: دونك فكله! ثم قال للثور الأحمر: لوني على لونك فدعني آكل الأسود، فيصفو لنا العيش بعد ذلك، فقال له: دونك فكله! فأكله، ثم بعد أيام قال للثور الأحمر: إني آكلك لا محالة، فقال: دعني أنادي أولًا، فأذن له، فنادى بأعلى صوته: “ألا إني أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض”. فالرجل لمَّ حوله جل الأحزاب السياسية الإدارية منها واليسارية لوقف هيمنة العدالة والتنمية على المشهد السياسي وعلى مواقع المسؤولية، وعندما تحقق له المراد بوصوله إلى كرسي رئاسة الحكومة أزاح مناصريه من الأحزاب ممن قادوا الحرب ضد الإسلاميين وألقى بهم وراء ظهره ليخلو له المجال ويستفرد بالشعب في مشهد لم يتوقعه أكبر المتشائمين، وأصبح وعيد البارحة للمغاربة بإعادة تربيتهم قد تحقق له اليوم، فما أنت فاعل بنا يا “سي عزيز”.

فخلف قرار الزيادة في بعض المواد الغذائية الأساسية، وارتفاع سعر “الكازوال” في الأسواق المغربية على غرار السوق العالمي،  وقرار وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى وضع شروط جديدة من أجل اجتياز مباراة التعليم، إلى جانب إجراء فرض جواز التلقيح من قبل خالد أيت الطالب وزارة الصحة،  وتصريحات فوزي لقجع الوزير المنتدب لوزرارة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية حول التعاقد، وتعيين وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة زوجها رئيسا لديوانها دون احترام للدستور ولأعراف العمل السياسي النظيف،  وتصريحات عبد اللطيف وهبي وزير العدل والحريات حول عزمه تقديم ملتمس العفو على معتقلي حراك الريف والتراجع عنه وابتلاع لسانه، دعوة مصطفى بايتاس الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة، المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة المعارضة إلى الانسحاب من البرلمان كأنه ضيعة من ضيعات كفيله على حد تدوينة عبد الله بوانو الذي نعته ب “غلام الحكومة” في إشارة إلى أن هذا المنصب تؤطره مقتضيات القانونية مضبوطة تحدد مهام ومجال واختصاصات الناطق الرسمي، وان كل تدخل في أمور تعني نواب الأمة ولا تعنيه بالقطع، فهو ناطق باسم الدولة وليس باسم الحزب أو باسم رئيسه. “خلف” كل هذه  المزايدات الفارغة والإجراءات العبثية والتصريحات المتضاربة يكمن جدل واسع واحتقان شعبي لذى المغاربة الذين كانوا ينتظرون من الحكومة الجديدة الاستجابة لمطالبهم وحل مجموعة من المشاكل التي يعانون منها خاصة بعد فترة الجائحة التي أثرت بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ليدركوا في أخر المطاف أنهم أكلوا كما أكل الثور الأبيض.

فهذه الحكومة أساسها الارتجال وتفتقد إلى مقومات القوة والتماسك والكفاءة في التدبير، والقدرة على ابتكار البدائل والدفاع عنها والتواصل بشأنها، فهي، مع الأسف، لا تتمتع بهذه المواصفات الضرورية والمطلوبة في كل حكومة يُعول عليها لمعالجة مشاكل وقضايا المواطنين، علاوة على أنها تُكرس جهدها وتبذل ما لديها من طاقات لتبخيس انجازات من سبقوها على الرغم من أن رئيس الحكومة الحالية وحزبه كانوا من مكوناتها.

وقبل أن ننتظر مرور “مائة يوم” لتقييم أدائها، أبانت حكومة أخنوش التائهة عن “إخلاصها” للطبقات الشعبية من خلال استنباط الأمثال المتداولة منها “علامة الدار على باب الدار”، أو المثل الآخر “من الخيمة خرج مائلا”، مقولات كافية ليستنتج المغاربة أن حكومة “سي عزيز” لا تشي بداياتها بإمكانية تحقيق التميز في الأداء بالقطاع الحكومي، أو خلق الفرق والتغيير المنتظر. وحتى وإن كان الحكم يستبق اكتمال الفترة المتوافق عليها إعلاميا لتقييم أداء الحكومات، بهدف الوقوف على مدى سدادها من عدمه في ترجمة المنتظر منها إنجازه، يجمع اشد المتفائلين أن إيجابيات هذه الحكومة حتى اليوم لا زالت مجرد حبر على ورق، بخلاف السلبيات التي تمت ترجمتها سريعا على أرض الواقع، تجلى ذلك في تصاعد حدة الاحتقان الاجتماعي وانتشار شرارة الاحتجاجات المختلفة في شتى أرجاء المملكة، والخطير أنها رهنت القرار الوطني بتدخل المؤسسات الأجنبية بعد اقتراض 4000 مليار،  الأمر الذي يستعصي معه الاستمرار في اعتناق أمل بحصول تغيير كبير بشأن السياسة الاجتماعية خلال المرحلة المقبلة، مهما امتد زمن الانتظار وطال، ففاقد الشيء ليس لديه ما يعطيه سوى بث اليأس في النفوس وجعل المغاربة يسلمون بما هو حاصل وسائد.

وتبقى الانجازات التي سيدخل بها أخنوش التاريخ هو تحقيقه لأسرع تعديل حكومي في تاريخ الحكومات المغربية عندما تخلت الوزيرة نبيلة الرميلي  عن منصبها الوزاري بعد أيام فقط على تعيينها وزيرة للصحة والحماية الاجتماعية، لعُيّن مكانها خالد أيت الطالب الذي كان وزيرا لنفس الوزارة في الحكومة السابقة. هذا التعديل تلاه خطأ لم يسبق له مثيل في تاريخ المغرب  يتعلق بمرسومين محررين بالجريدة الرسمية عدد 7032، يحددان اختصاصات الوزيرة المعفية من منصبها، والوزير المعين مكانها بعد أن أسندت لهما في نفس اليوم اختصاصات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، الشيء الذي يعتبر سابقة خطيرة في تاريخ المغرب لكونها تهدد الأمن القانوني المغربي. وتتوالي بعد ذلك السقطات وتستغل الحكومة انشغال الشارع المغربي بجواز التلقيح  وتسرع إلى سحب مشروع القانون الجنائي المتضمن لمقتضيات تتعلق بتجريم الإثراء غير المشروع، دونا عن غيره من مشاريع القوانين الأخرى البالغ عددها حوالي 22، وهو ما يطرح تساؤلات عريضة حول تزامن السحب مع تفكيك لجنة محاربة الفساد التي يرأسها رئيس الحكومة، وخلو البرنامج الانتخابي وقانون المالية من أي مقتضيات وإجراءات تتعلق بمحاربة الفساد والريع، مما يفيد على أننا اليوم أمام تراجُعٍ فضيع في مسار توفير القوانين المناسبة لمحاربة الفساد ومحاصرة الإثراء غير المشروع الذي يتعلق في الأساس بموظفي الدولة المشمولين بالتصريح بالممتلكات. فهل هي بداية تطبيع حكومة أخنوش مع الفساد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى