فؤاد السعدي يكتب.. علامات الإستفهام

يبدو أن أزمة “كورونا” “مطولة معنا” بحسب دراسات وتحليلات منظمة الصحة العالمية ورؤى بعض الدول، الأمر الذي يتطلب منا كشعب التعايش مع هذا الوباء بإتباع الإجراءات الاحترازية والتقيد بالتدابير المتخذة سواء خلال الحظر الجزئي أو الشامل أو حتى أثناء العودة إلى الحياة الطبيعية، ما لم يتم التوصل إلى لقاح أو علاج لهذا الفيروس اللعين. وأن التصرف باستهتار وبعدم الوعي والسير على مقولة “موت واحدا فدنيا” هو بمثابة انتحار جماعي ودحض علني لكل مجهودات الدولة في الحد من تفشي الفيروس بين المواطنين، وأن كل استخفاف بقراراتها هو بمثابة تجنى على النفس، وبالتالي، بدل أن نحقق الاستثناء وننال التنويه سنصبح مضربة المثل في التخلف و العبث وعدم الانضباط والتهور.

عدد الإصابات في ارتفاع مستمر فلا يمر يوم دون أن نسمع عن اكتشاف بؤرة عائلية أو صناعية أو مهنية لنطرح السؤال فيما إن كنا بحاجة فعلا في هذا التوقيت مع تزايد أعداد المصابين إلى حظر صحي شامل وإجراءات أشد صرامة وقسوة، أم إلى وعى مجتمعي قادر على ضبط تصرفاته، بدل ذلك الخبط العشواء والسير على الأهواء، فليس أمامنا رفاهية الاختيار بين السيناريوهات لأن كل الطرق تؤدي إلى التعايش مع “كورونا”.

 فأزمة كورونا العالمية، تحتاج منا التدبر والتفكر، تحتاج إلى تفهم الدولة والمجتمع والتخلى عن روح المزايدة الفارغة والتربص للتفاهة والادعاء الفارغ.  وأن أول خطوة للخروج من هذا المأزق هو نشر الوعي، وليس مهاجمة الآخرين كما حصل مع رئيس الحكومة عندما خرج على الرأي العام، بدون تصور يتعلق برفع الحجر الصحي، وما تلا ذلك من لغط على مواقع التواصل الاجتماعي حتى أن البعض اعتبر الأمر إهانة في حق الشعب، وذهب البعض الآخر إلى حد اتهام الحكومة بالاستهتار بحياة المواطنين، عندما عجزت حتى في التفكير عن حلول أمنة للعودة إلى الحياة الطبيعية، في حين أن واقع الحال في مثل هذه الظروف يفرض نوعا من التروي وبعد نظر على اعتبار أن الأزمة تحدث لأول مرة ولا خبرات سابقة يمكن الاستناد إليها، المهم أن تكون لدينا الثقة في أن مؤسسات الدولة ستنجح بالعبور بنا إلى بر الأمان بنفس القدر الذي نجحت فيه عندما اتخذت قرار فرض الطوارئ الصحية في الوقت المناسب.

 فالوطن لا يبنى بالتشكيك وجلد الذات، ولا بالنيل من الانجازات وإنكارها بل بالعزم والإرادة والعمل الجاد والانخراط الإيجابي والمشاركة البناءة في القضايا ذات الاهتمام المشترك، والكف عن الترويج لكل ما من شأنه أن يعكر صفو التلاحم بين الشعب ومؤسسات الدولة، والنهي عن منح الفرصة لخصومنا  لنفث سمومهم ورمينا بسهام الغل والحقد الساكن في نفوسهم، فحجم مصيبتهم وهم يرون المغاربة لحمة واحدة، ويراقبون طريقة التعاطي مع جائحة كورونا واقتراب موعد الإعلان عن الانتصار عليها هو أكبر صدمة لديهم وأعظم صفعة  من تلك التي تلقاها اقتصادهم، الذي يتجه نحو الاعتماد على رعي الإبل وتصدير بول البعير بدل عن البترول، اللهم لا شماتة.

وحتى وإن كان لا بد من انتقاد الحكومة واتهامها بالتقصير وتسفيه قراراتها، ورميها برصاص المعارضة الهدامة فالأولى أن نعتمد على معطيات تتحرى الدقة والموضوعية كأن ننتقد طريقة تدبيرها لقضية المغاربة العالقين في الخارج، وكيف أصبح المغرب البلد الوحيد في العالم الذي لم يقم بإجلاء مواطنيه العالقين بالعديد من الدول، وكيف طغت أيضا على عملية عودة البعض منهم عوامل عدة منها ما هو مرتبط بالتمييز  ومنها من له علاقة بحسابات سياسية، وبين هذا وذاك غابت الجرأة السياسية لتحديد موعد محدد لعودة أزيد من 22 ألف مغربي عالق في الخارج،  ووضع نهاية لمعاناتهم المادية والنفسية والاجتماعية. ولا نحتاج أن نذكر الحكومة أن حاجة المواطن للوطن في الشدة أكثر من حاجته إليه في زمن الرخاء، فلا تعكروا صفوة قرب موعد انتصارنا على جائحة “كورونا”، ولا تشمتوا خصومنا فينا فهم متربصون ينتظرون أي زلة،  ألهذا الحد استعصى على الحكومة إيجاد حل لهذا الإشكال الذي أصبح يؤرق بال كل المغاربة؟  هي علامات استفهام..

وما يقال في مسألة إجلاء المغاربة العالقين في الخارج، وفشل الحكومة في تدبير هذا الملف، يقال أيضا في قضية أثارت سخطا لذا الرأي العام وكشفت بجلاء طينة السياسيين الذين يتولون تدبير شؤوننا، وكيف يحولون المأساة إلى سوق للتكسب والتسلط والإبتزاز . الحديث هنا عن قضية العثور على ست ملايين كمامة عالية الجودة كان رئيس الجمعية المغربية للنسيج والألبسة بطنحة يستعد لتصديرها للخارج بتكليف من مولاي حفيظ العلمي وزير التجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي، الذي أسر لصديقه في الحزب برغبة الحكومة في إنتاج الكمامات لتغطية الطلب الداخلي وبعد ذلك سيتم البدء في عملية التصدير، وعلى اعتبار المعلومة في عالم الأعمال تقدر بالملايين قام رئيس الجمعية بإخبار أعضاءه من أجل الشروع في عملية تغطية الطلب الداخلي، بالمقابل استحوذ هو على إنتاج الكمامات التي ستوجه للتصدير. الوزير العلمي في معرض لملمته لهذه القضية وصف صديقه بالوطني عندما قبل الاشتغال في هذه الظروف وتعريض نفسه للإصابة بكوررنا، على اعتبار أن  الرجل عندما قبل هذا العرض فإنه فعل ذلك لسواد عيون المغاربة وليس لجني ملايين الدراهم. وهنا نسأل الوزير الذي ما فتئ يوزع نياشين الوطنية على أي كان، منذ متى كان ثمن الوطنية  60 مليون درهم قيمة الإرباح التي سيجنيها صاحبك من الصفقة؟ الوطنية سيدي الوزير تقتضي منك أن تفتح تحقيقا في هذه القضية لمعرفة السبب الذي جعل صديقك يستفرد بالمعلومة  التي أخبرته إياها لصالحه. فما قام به رئيس الجمعية المغربية للنسيج والألبسة بطنحة هو خيانة في حق الوطن قبل أن تكون خيانة في حق من منحوه ثقتهم، مولاي حفيظ العلمي ليس بحاجة أن نذكره بأن إساءة استخدام المناصب لتحقيق مكاسب خاصة تؤدي إلى تآكل ثقة الناس بالحكومة والمؤسسات، وتجعل السياسات العامة أقل فاعلية وعدلاً، ليس بحاجة أن نذكره بأن الأسباب الجذرية للفساد تكمن في تفويض المسؤولية دون اعتماد آليات رقابة أو مساءلة، ليس بحاجة لنذكره أن احتكار المعلومة في حد ذاتها  تجعل الفساد ممكنا، وتفتح الباب للتلاعب بأموال الوطن. سئل الأمام علي ذات يوم: من أحقر الناس، فأجاب: “الذين ازدهرت أحوالهم يوم جاعت أوطانهم”، فبعد كل هذا سيدي الوزير ألازلت معتزا بصداقة الرئيس؟ هي علامات استفهام..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى