الحكامة الجيدة في تدبير العمل النقابي الصيدلاني

بقلم – الدكتور عبد العزيز جلولي

إن الصعوبات البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، حيث إن فاتورة الدواء في المغرب مرتفعة بشكل غير عادي، وأنها أعلى من مثيلاتها في دول أخرى (من 30 إلى 189 في المائة مقارنة مع تونس بالنسبة للأدوية الأصلية، ومن 20 إلى 70 في المائة مقارنة مع فرنسا)، مما أصبح معه لزاما إصدار النصوص التطبيقية والتنظيمية لمدونة الأدوية، وتحيين القوانين المتعلقة بالأدوية الجنيسة، إضافة إلى إشراك هيئات التغطية الصحية والهيئات المهنية للأطباء والصيادلة وكذا مجلس المنافسة في تحديد ثمن الدواء وعدم قصر هذا الاختصاص على وزارة الصحة.
وحيث إن هذا الارتفاع المهول ترتبت عنه عدة اختلالات بنيوية ومؤشرات مالية وتباطؤ مؤشرات النمو الاقتصادي، وما ترتب عليه من انهيار الخدمات الأساسية في مجال البنيات الأساسية والصحة والتعليم والأمن وغيرها من المجالات الحيوية، علما أن هذه النفقات لم تعد تضطلع بوظيفتها الاجتماعية مما يفرض تساؤلات مشروعة وإعداد مخطط لتدبير المرحلة من طرف الفاعل النقابي الصيدلاني إلى جانب باقي الفاعلين، ويؤكد لزوم تطوير العمل النقابي وتجويده باعتماد الحكامة الجيدة في تدبير العمل النقابي الصيدلاني.
العمل النقابي الصيدلاني والحكامة الجيدة
يطرح اليوم وبإلحاح على الفاعل النقابي الصيدلاني حسن التدبير وإشراك جميع الفاعلين في اتخاذ القرارات ورسم الرؤى والتصورات والقراءة الجيدة للواقع، واستشراف المستقبل، والوقوف على مكامن الخلل ونقاط الضعف والبحث في المتغيرات المتتالية التي عرفها المغرب، والتي تفرض إحداث ورش للتفكير والنقاش العام بين عموم مناضلي ومناضلات نقابة الصيادلة وفتح باب المنافسة أمام الشركات المنتجة للأدوية، بهدف خفض أسعارها وجعلها في متناول المواطنين.
وحيث سبق للجنة المالية والتنمية الاقتصادية ولجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، إبان تدارسها لمضمون تقرير المهمة الاستطلاعية المكلفة بدراسة إشكالية ثمن الأدوية وتأثيرها على القدرة الشرائية للمواطنين وتوازن أنظمة التغطية الصحية، أن من شأن الإعفاء من الضرائب المفروضة على أصل الدواء المساهمة في خفض ثمنه.
وأشاروا إلى إمكانية خفض أسعار الأدوية بالمغرب أيضا بنسب مهمة من خلال إعادة النظر في مساطر تحديد سعر الدواء، ونسب التعويض عن الأدوية التي تحددها التغطية الصحية.
إن السياسات التدبيرية اللاديمقراطية تضرب في العمق القدرة الشرائية للمواطن، وتعقد من تكاليف الحياة ولا تستجيب للمطالب العادلة للصيادلة والمرضى، وتجهز على حقوقها، وتضيع كرامة الإنسان.
هذه المتغيرات تفرض على النقابي الصيدلاني أن يفكر بتدبر ويحدد موقعه ضمن خارطة الطريق الاجتماعية، برؤية نضالية نقابية تحدد التوجه الإستراتيجي والخطاطة العامة لتدبير، الملف المطلبي، للصيدلي بحكامة جيدة تأخذ بعين الاعتبار الذاتي والموضوعي في عقلنة تدبير عملها النقابي بشكل ناجع.
هل نحن نستوعب المرحلة وفي مستواها؟ هل نحن نهضم معنى أنه يوجد أكثر من 3500 صيدلاني في وضعية إفلاس، بينما يتدبر حوالي خمسمائة آخرين أمور عيشهم بصعوبة، كما جاء في بلاغات متطابقة لنقابات الصيادلة في المغرب؟ أم نغرد خارج السرب؟ إن المرحلة تقتضي استيعاب المتغيرات الكبرى.
كيف نفهم ونتعامل كفاعل نقابي صيدلاني مع الإكراهات الظرفية الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الصيدلي؟ وكيف نواصل القيام بدورنا في التعبير والدفاع عن المطالب المشروعة للصيادلة؟ كيف نتعامل مع خطاب الإكراهات الاقتصادية وخطاب “المنافسة” الذي تروّج له شركات الأدوية ولوبي الأدوية الدولي؟ وكيف يمكننا أن نصمد في مواجهة التحديات والتغييب التشاركي لإيجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي أدت بكثير من الصيادلة الذين هم على حافة الإفلاس؟
إن مصاحبة للمرسوم الوزاري 2-13-852 بتمتيع أرباب الصيدلية بالتغطية الصحية والتقاعد والإعانة؛ لأن عددا كبيرا منهم أصيب بأمراض خطيرة أدت بهم إلى بيع صيدلياتهم من أجل العلاج، وبالتالي تمتيع الصيادلة بنظام التغطية الصحية والتقاعد والإعانة أصبح ضرورة حتمية.
كما أن قطاع الصيدلة يتخبط في فراغ تنظيمي كبير، يستوجب التعجيل بانتخاب المجالس الجهوية للصيادلة.
إن السياسوية والتشرذم والأنانية الفردية والجماعية التي تسعى إلى الاستيلاء على مقدرات مجموعة أخرى أو بفرض أفكارها وأطروحاتها التي تخدم مصالحها، فوجب علينا العمل على إيجاد حلول في إطار القانون المنظم لمهنة الصيادلة بكل الوسائل التي تقوم على أسس عملية مدروسة عبر خطاطات وبرامج منطقية مقبولة ومتوفرة وأيضا أهمها تبني الشفافية والمصداقية للارتقاء بالصيدلي من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من خلال تنفيذ الأهداف التي يصبو إليها.
أي مقاربة للمحافظة على النفس النضالي للصيادلة بالمغرب دون الوقوع في إستراتيجيات مقاومة لتحقيق المطالب تسعى إلى الركوب على الملف المطلبي الاجتماعي من أجل أغراض سياسية؟
كيف يمكن تفعيل الملف المطلبي النقابي من مجرد عمل مطلبي إلى قوة اقتراحية وخطاطة إستراتيجية تخرجنا من الأزمة المركبة التي اختلقها اللوبي الدوائي الدولي؟.
فما هو مفهوم الحكامة الجيدة لتدبير العمل النقابي الصيدلاني:
يعتبر مصطلح الحكامة من أهم المصطلحات التي تم تداولها في الحقل التنموي منذ نهاية الثمانينيات، حيث تم استعماله لأول مرة من طرف البنك الدولي في 1989 الذي اعتبر الحكامة أنها: “أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل التنمية”.
وقد جاء استعمال البنك الدولي آنذاك لمفهوم الحكامة في إطار تأكيده على أن أزمة التنمية في إفريقيا هي أزمة حكامة بالدرجة الأولى: بسبب فساد النظم السياسية وضعف التسيير والتخطيط. ويعرفه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأنه “نسق جديد من العلاقات والمساطر والمؤسسات التي تتمفصل بها مصالح المجموعات والأفراد، وتمارس الحقوق والواجبات، وتفك الخلافات والنزاعات، يقوم على تذويب التراتبية وتشجيع التشارك بين المسيرين والمساهمين وحسن التنظيم وتوزيع المسؤوليات وصقل القدرات ودعم التواصل داخليا وخارجيا”.
فمن الصعب ضبط مفهوم الحكامة وإعطاؤه تعريفا موحدا ونهائيا لارتباطه بمجالات متعددة ولتعدد صيغ تداوله؛ فهو، حسب لجنة الحكامة العالمية، مجموعة الطرق التي تدبر بها المؤسسات العمومية والخصوصية قضاياها.
ومن بين التعاريف التي يمكن استقراؤها من خلال المجالات التي وظفت فيها:
– الحكامة إعادة صياغة العلاقة بين كل المتدخلين على أساس مفهوم التعاقد، التشارك والتوافق.
– فالحكامة مقاربة ورؤيا وفلسفة جديدة للتغيير، لها مضمون اقتصادي مالي اجتماعي باعتبارها النهج الأكثر نجاعة لتدبير الشأن العام والمجتمعي.
– الحكامة نمط جديد للتدبير وهي بذلك مقاربة جديدة لتدبير التغيير في المرفق العمومي والخصوصي، والمجتمع المدني.
مصطلح الحكامة هو إحدى الترجمات المعتمدة للعبارة ” bonne gouvernance ” ، إذ إن البعض يستعمل للدلالة على نفس المفهوم مصطلح “حسن التدبير” أو “القيادية الجيدة”. فهي تتوخى، بداية، مقاربة التطورات والتحولات التي تطاول المنظمات العمومية المشاع أنها تمر بمرحلة أزمة في المشروعية، وتطاول أيضا ولربما بالقدر ذاته، المنظمات الخاصة المهووسة دائما بقضايا التنظيم الداخلي (اليومي كما الإستراتيجي) والخاضعة باستمرار لسلطان التسيير والتدبير وما سواهما في أفق البحث عن ترابطات بين مختلف الجهات ذات المصلحة التشاركية للسير بشكل تدبيري ناجع لخدمة ملف مطلبي معين، وهنا يعنينا الملف المطلبي الصيدلاني.
مرتكزات الحكامة:
ويشمل مفهوم “الحكامة”، خاصة إذا قرنت بوصف “الجيدة”، عدة عناصر أساسية يمكن إجمالها في: الشفافية، التزويد بالمعلومات، حقوق وواجبات المساهمين ومسؤوليات المسيرين. وينبني على أركان منها:
الرؤية الإستراتيجية: أي الرؤية المنطلقة من المعطيات الثقافية والاجتماعية الهادفة إلى تحسين شؤون الناس وتنمية المجتمع والقدرات البشرية.
المشاركة بمعنى حق “الكل” في التأثير “الديمقراطي” في صناعة القرارات ووضع البرامج والسياسات. والمشاركة تتطلب توفر الأطر والوضعيات الضامنة لحرية تشكيل التشكيلات وحرية التعبير والحريات العامة وترسيخ الشرعية الشفافية وتعني توفير المعلومات الدقيقة في وقتها وإفساح المجال أمام الجميع (وليس فقط المسؤولين) للإطلاع عليها بما يساعدهم على المساهمة في اتخاذ القرارات الصالحة وكذلك من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومن أجل التخفيف من الهدر وتحقيق المطالب المشروعة للصيدلي.
إن النقابة في حاجة إلى حكامة لتدبير المرحلة، سواء على مستوى البناء الداخلي أو التعامل مع التحولات، وكذا مع الفرقاء لتجديد آليات اشتغالها، والانتقال إلى مرحلة تعتمد فيها على المخطط الإستراتيجي والرؤية السديدة والبرنامج القابل للتطبيق بمؤشرات واضحة تقيس الأثر وتعيد للعمل النقابي بريقه، وتبني العمل النقابي المؤسساتي بعيدا عن ردود الأفعال والمناسباتية.
لا بد من التفكير في إستراتيجية تمكن من تنويع المقاربات التدبيرية، وتقوية القدرات التنافسية في تنزيل البرامج، والإبداع في الخط النضالي وتنويعه، وتحيين الملف المطلبي واستيعاب جميع الفئات، واحتضانها، وتجويد الخدمات. إن القاسم المشترك بين طرفي التدبير هو منهجية التدبير التشاركي.
ولم يعد ممكنا السماح للفاعل النقابي بأن يدبر المرحلة بالطرق التقليدانية؛ فالمرحلة تقتضي تدبير العمل النقابي بالمهنية والاحترافية، عبر توظيف مفاهيم التخطيط والبرمجة والتقويم والإستراتيجية والقيادة، وأصبح أكثر اعتمادا على مستجدات التكنولوجيا الحديثة وتقنيات التواصل والاتصال.
إن من مقتضيات الحكامة في العمل النقابي تدبير التسيير وعقلنته، وتعبئة كل الطاقات والموارد وترشيد استثمارها لتأمين شروط تدبير جيد، وإعادة صياغة مفهوم الرقابة والمحاسبة، بعد أن كانت من الأعلى إلى الأسفل، تصبح ثنائية الاتجاه.
لقد رصد Ramz Cayatte مجموعة من المؤشرات الدالة على صحة عمل الفريق:
• استمرار كل عنصر في القيام بمهامه وعدم التوقف، وانتظار تدخل خارجي.
• التأكد من فعالية الآليات والأدوات.
• الصمود أمام الصعوبات والإكراهات.
• الإيمان بالنجاح.
• الاستثمار الجيد للخبرة.
• قدرة التحمل.
• التفاؤل والعزيمة والإرادة.
إن عدم توقع المخاطر والقدرة على تدبيرها يمكنه أن يسبب فشل العمل النقابي؛ فالتشخيص المتواصل والتقويم المستمر وفق مؤشرات دقيقة عنصر من العناصر الأساسية للحكامة الجيدة في تدبير العمل النقابي الذي يصبو إلى الارتقاء بالصيدلي انسجاما مع دليل دور الصيادلة في مجال الرعاية الصحية الصادر بجنيف في 23 نوفمبر 2006 عن منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للصيادلة والقانون الدولي الصيدلاني وغيره من الصكوك الدولية والبروتوكولات والعهود الدولية.
وسعياً إلى تحقيق هذه الرؤية، فإن رسالتنا تتمثل في إجراء أبحاث والقيام بتحركات وندوات ومؤتمرات تتمحور حول الارتقاء بالرعاية الصيدلانية، إضافة إلى رصد مكامن الخلل والعمل على معالجتها من خلال إنجاز خطاطات ومشاريع تنفيذية للقضاء على التشرذم والإفلاس والعمل على التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية للصيدلاني. ولن يتسنى ذلك إلا بالعمل على تفعيل وتنفيذ ما سطرناه صدر هذا المقال.
فيدا بيد من أجل صيدلة ناجعة ترد إلى “رجل الأدوار السبعة” ـ حسب المقولة المشهورة للدكتورهانس ف هوغيرزيل، مدير إدارة السياسة والمعايير الدوائية بمنظمة الصحة العالمية – استقلاليته واعتباره المادي والمعنوي والمهني.

إن الصعوبات البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، حيث إن فاتورة الدواء في المغرب مرتفعة بشكل غير عادي، وأنها أعلى من مثيلاتها في دول أخرى (من 30 إلى 189 في المائة مقارنة مع تونس بالنسبة للأدوية الأصلية، ومن 20 إلى 70 في المائة مقارنة مع فرنسا)، مما أصبح معه لزاما إصدار النصوص التطبيقية والتنظيمية لمدونة الأدوية، وتحيين القوانين المتعلقة بالأدوية الجنيسة، إضافة إلى إشراك هيئات التغطية الصحية والهيئات المهنية للأطباء والصيادلة وكذا مجلس المنافسة في تحديد ثمن الدواء وعدم قصر هذا الاختصاص على وزارة الصحة.

وحيث إن هذا الارتفاع المهول ترتبت عنه عدة اختلالات بنيوية ومؤشرات مالية وتباطؤ مؤشرات النمو الاقتصادي، وما ترتب عليه من انهيار الخدمات الأساسية في مجال البنيات الأساسية والصحة والتعليم والأمن وغيرها من المجالات الحيوية، علما أن هذه النفقات لم تعد تضطلع بوظيفتها الاجتماعية مما يفرض تساؤلات مشروعة وإعداد مخطط لتدبير المرحلة من طرف الفاعل النقابي الصيدلاني إلى جانب باقي الفاعلين، ويؤكد لزوم تطوير العمل النقابي وتجويده باعتماد الحكامة الجيدة في تدبير العمل النقابي الصيدلاني.

العمل النقابي الصيدلاني والحكامة الجيدة يطرح اليوم وبإلحاح على الفاعل النقابي الصيدلاني حسن التدبير وإشراك جميع الفاعلين في اتخاذ القرارات ورسم الرؤى والتصورات والقراءة الجيدة للواقع، واستشراف المستقبل، والوقوف على مكامن الخلل ونقاط الضعف والبحث في المتغيرات المتتالية التي عرفها المغرب، والتي تفرض إحداث ورش للتفكير والنقاش العام بين عموم مناضلي ومناضلات نقابة الصيادلة وفتح باب المنافسة أمام الشركات المنتجة للأدوية، بهدف خفض أسعارها وجعلها في متناول المواطنين.

وحيث سبق للجنة المالية والتنمية الاقتصادية ولجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، إبان تدارسها لمضمون تقرير المهمة الاستطلاعية المكلفة بدراسة إشكالية ثمن الأدوية وتأثيرها على القدرة الشرائية للمواطنين وتوازن أنظمة التغطية الصحية، أن من شأن الإعفاء من الضرائب المفروضة على أصل الدواء المساهمة في خفض ثمنه.

وأشاروا إلى إمكانية خفض أسعار الأدوية بالمغرب أيضا بنسب مهمة من خلال إعادة النظر في مساطر تحديد سعر الدواء، ونسب التعويض عن الأدوية التي تحددها التغطية الصحية.
إن السياسات التدبيرية اللاديمقراطية تضرب في العمق القدرة الشرائية للمواطن، وتعقد من تكاليف الحياة ولا تستجيب للمطالب العادلة للصيادلة والمرضى، وتجهز على حقوقها، وتضيع كرامة الإنسان.

هذه المتغيرات تفرض على النقابي الصيدلاني أن يفكر بتدبر ويحدد موقعه ضمن خارطة الطريق الاجتماعية، برؤية نضالية نقابية تحدد التوجه الإستراتيجي والخطاطة العامة لتدبير، الملف المطلبي، للصيدلي بحكامة جيدة تأخذ بعين الاعتبار الذاتي والموضوعي في عقلنة تدبير عملها النقابي بشكل ناجع.

هل نحن نستوعب المرحلة وفي مستواها؟ هل نحن نهضم معنى أنه يوجد أكثر من 3500 صيدلاني في وضعية إفلاس، بينما يتدبر حوالي خمسمائة آخرين أمور عيشهم بصعوبة، كما جاء في بلاغات متطابقة لنقابات الصيادلة في المغرب؟ أم نغرد خارج السرب؟ إن المرحلة تقتضي استيعاب المتغيرات الكبرى.

كيف نفهم ونتعامل كفاعل نقابي صيدلاني مع الإكراهات الظرفية الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الصيدلي؟ وكيف نواصل القيام بدورنا في التعبير والدفاع عن المطالب المشروعة للصيادلة؟ كيف نتعامل مع خطاب الإكراهات الاقتصادية وخطاب “المنافسة” الذي تروّج له شركات الأدوية ولوبي الأدوية الدولي؟ وكيف يمكننا أن نصمد في مواجهة التحديات والتغييب التشاركي لإيجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي أدت بكثير من الصيادلة الذين هم على حافة الإفلاس؟

إن مصاحبة للمرسوم الوزاري 2-13-852 بتمتيع أرباب الصيدلية بالتغطية الصحية والتقاعد والإعانة؛ لأن عددا كبيرا منهم أصيب بأمراض خطيرة أدت بهم إلى بيع صيدلياتهم من أجل العلاج، وبالتالي تمتيع الصيادلة بنظام التغطية الصحية والتقاعد والإعانة أصبح ضرورة حتمية.

كما أن قطاع الصيدلة يتخبط في فراغ تنظيمي كبير، يستوجب التعجيل بانتخاب المجالس الجهوية للصيادلة.

إن السياسوية والتشرذم والأنانية الفردية والجماعية التي تسعى إلى الاستيلاء على مقدرات مجموعة أخرى أو بفرض أفكارها وأطروحاتها التي تخدم مصالحها، فوجب علينا العمل على إيجاد حلول في إطار القانون المنظم لمهنة الصيادلة بكل الوسائل التي تقوم على أسس عملية مدروسة عبر خطاطات وبرامج منطقية مقبولة ومتوفرة وأيضا أهمها تبني الشفافية والمصداقية للارتقاء بالصيدلي من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من خلال تنفيذ الأهداف التي يصبو إليها.

أي مقاربة للمحافظة على النفس النضالي للصيادلة بالمغرب دون الوقوع في إستراتيجيات مقاومة لتحقيق المطالب تسعى إلى الركوب على الملف المطلبي الاجتماعي من أجل أغراض سياسية؟
كيف يمكن تفعيل الملف المطلبي النقابي من مجرد عمل مطلبي إلى قوة اقتراحية وخطاطة إستراتيجية تخرجنا من الأزمة المركبة التي اختلقها اللوبي الدوائي الدولي؟.

فما هو مفهوم الحكامة الجيدة لتدبير العمل النقابي الصيدلاني:
يعتبر مصطلح الحكامة من أهم المصطلحات التي تم تداولها في الحقل التنموي منذ نهاية الثمانينيات، حيث تم استعماله لأول مرة من طرف البنك الدولي في 1989 الذي اعتبر الحكامة أنها: “أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من أجل التنمية”.

وقد جاء استعمال البنك الدولي آنذاك لمفهوم الحكامة في إطار تأكيده على أن أزمة التنمية في إفريقيا هي أزمة حكامة بالدرجة الأولى: بسبب فساد النظم السياسية وضعف التسيير والتخطيط. ويعرفه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأنه “نسق جديد من العلاقات والمساطر والمؤسسات التي تتمفصل بها مصالح المجموعات والأفراد، وتمارس الحقوق والواجبات، وتفك الخلافات والنزاعات، يقوم على تذويب التراتبية وتشجيع التشارك بين المسيرين والمساهمين وحسن التنظيم وتوزيع المسؤوليات وصقل القدرات ودعم التواصل داخليا وخارجيا”.

فمن الصعب ضبط مفهوم الحكامة وإعطاؤه تعريفا موحدا ونهائيا لارتباطه بمجالات متعددة ولتعدد صيغ تداوله؛ فهو، حسب لجنة الحكامة العالمية، مجموعة الطرق التي تدبر بها المؤسسات العمومية والخصوصية قضاياها.

ومن بين التعاريف التي يمكن استقراؤها من خلال المجالات التي وظفت فيها:

– الحكامة إعادة صياغة العلاقة بين كل المتدخلين على أساس مفهوم التعاقد، التشارك والتوافق.

– فالحكامة مقاربة ورؤيا وفلسفة جديدة للتغيير، لها مضمون اقتصادي مالي اجتماعي باعتبارها النهج الأكثر نجاعة لتدبير الشأن العام والمجتمعي.

– الحكامة نمط جديد للتدبير وهي بذلك مقاربة جديدة لتدبير التغيير في المرفق العمومي والخصوصي، والمجتمع المدني.
مصطلح الحكامة هو إحدى الترجمات المعتمدة للعبارة ” bonne gouvernance ” ، إذ إن البعض يستعمل للدلالة على نفس المفهوم مصطلح “حسن التدبير” أو “القيادية الجيدة”. فهي تتوخى، بداية، مقاربة التطورات والتحولات التي تطاول المنظمات العمومية المشاع أنها تمر بمرحلة أزمة في المشروعية، وتطاول أيضا ولربما بالقدر ذاته، المنظمات الخاصة المهووسة دائما بقضايا التنظيم الداخلي (اليومي كما الإستراتيجي) والخاضعة باستمرار لسلطان التسيير والتدبير وما سواهما في أفق البحث عن ترابطات بين مختلف الجهات ذات المصلحة التشاركية للسير بشكل تدبيري ناجع لخدمة ملف مطلبي معين، وهنا يعنينا الملف المطلبي الصيدلاني.

مرتكزات الحكامة:
ويشمل مفهوم “الحكامة”، خاصة إذا قرنت بوصف “الجيدة”، عدة عناصر أساسية يمكن إجمالها في: الشفافية، التزويد بالمعلومات، حقوق وواجبات المساهمين ومسؤوليات المسيرين. وينبني على أركان منها:

الرؤية الإستراتيجية: أي الرؤية المنطلقة من المعطيات الثقافية والاجتماعية الهادفة إلى تحسين شؤون الناس وتنمية المجتمع والقدرات البشرية.

المشاركة بمعنى حق “الكل” في التأثير “الديمقراطي” في صناعة القرارات ووضع البرامج والسياسات. والمشاركة تتطلب توفر الأطر والوضعيات الضامنة لحرية تشكيل التشكيلات وحرية التعبير والحريات العامة وترسيخ الشرعية الشفافية وتعني توفير المعلومات الدقيقة في وقتها وإفساح المجال أمام الجميع (وليس فقط المسؤولين) للإطلاع عليها بما يساعدهم على المساهمة في اتخاذ القرارات الصالحة وكذلك من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومن أجل التخفيف من الهدر وتحقيق المطالب المشروعة للصيدلي.

إن النقابة في حاجة إلى حكامة لتدبير المرحلة، سواء على مستوى البناء الداخلي أو التعامل مع التحولات، وكذا مع الفرقاء لتجديد آليات اشتغالها، والانتقال إلى مرحلة تعتمد فيها على المخطط الإستراتيجي والرؤية السديدة والبرنامج القابل للتطبيق بمؤشرات واضحة تقيس الأثر وتعيد للعمل النقابي بريقه، وتبني العمل النقابي المؤسساتي بعيدا عن ردود الأفعال والمناسباتية.

لا بد من التفكير في إستراتيجية تمكن من تنويع المقاربات التدبيرية، وتقوية القدرات التنافسية في تنزيل البرامج، والإبداع في الخط النضالي وتنويعه، وتحيين الملف المطلبي واستيعاب جميع الفئات، واحتضانها، وتجويد الخدمات. إن القاسم المشترك بين طرفي التدبير هو منهجية التدبير التشاركي.
ولم يعد ممكنا السماح للفاعل النقابي بأن يدبر المرحلة بالطرق التقليدانية؛ فالمرحلة تقتضي تدبير العمل النقابي بالمهنية والاحترافية، عبر توظيف مفاهيم التخطيط والبرمجة والتقويم والإستراتيجية والقيادة، وأصبح أكثر اعتمادا على مستجدات التكنولوجيا الحديثة وتقنيات التواصل والاتصال.

إن من مقتضيات الحكامة في العمل النقابي تدبير التسيير وعقلنته، وتعبئة كل الطاقات والموارد وترشيد استثمارها لتأمين شروط تدبير جيد، وإعادة صياغة مفهوم الرقابة والمحاسبة، بعد أن كانت من الأعلى إلى الأسفل، تصبح ثنائية الاتجاه.
لقد رصد Ramz Cayatte مجموعة من المؤشرات الدالة على صحة عمل الفريق:
• استمرار كل عنصر في القيام بمهامه وعدم التوقف، وانتظار تدخل خارجي.
• التأكد من فعالية الآليات والأدوات.
• الصمود أمام الصعوبات والإكراهات.
• الإيمان بالنجاح.
• الاستثمار الجيد للخبرة.
• قدرة التحمل.
• التفاؤل والعزيمة والإرادة.

إن عدم توقع المخاطر والقدرة على تدبيرها يمكنه أن يسبب فشل العمل النقابي؛ فالتشخيص المتواصل والتقويم المستمر وفق مؤشرات دقيقة عنصر من العناصر الأساسية للحكامة الجيدة في تدبير العمل النقابي الذي يصبو إلى الارتقاء بالصيدلي انسجاما مع دليل دور الصيادلة في مجال الرعاية الصحية الصادر بجنيف في 23 نوفمبر 2006 عن منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للصيادلة والقانون الدولي الصيدلاني وغيره من الصكوك الدولية والبروتوكولات والعهود الدولية.

وسعياً إلى تحقيق هذه الرؤية، فإن رسالتنا تتمثل في إجراء أبحاث والقيام بتحركات وندوات ومؤتمرات تتمحور حول الارتقاء بالرعاية الصيدلانية، إضافة إلى رصد مكامن الخلل والعمل على معالجتها من خلال إنجاز خطاطات ومشاريع تنفيذية للقضاء على التشرذم والإفلاس والعمل على التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية للصيدلاني. ولن يتسنى ذلك إلا بالعمل على تفعيل وتنفيذ ما سطرناه صدر هذا المقال.

فيدا بيد من أجل صيدلة ناجعة ترد إلى “رجل الأدوار السبعة” ـ حسب المقولة المشهورة للدكتورهانس ف هوغيرزيل، مدير إدارة السياسة والمعايير الدوائية بمنظمة الصحة العالمية – استقلاليته واعتباره المادي والمعنوي والمهني.

إننا عندما نتضامن للرقي بالمهنة فسوف ننجز ذلك بكل سهولة ونفعل الصيدلة الناجعة مهنيا ونقابيا وثقافيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى