هل تكون جماعة مكناس سباقة لـ”مأسسة” العلاقة بين المجالس المنتخبة ووسائل الإعلام الملائمة للقانون؟
يقترب المجلس الجماعي لمدينة مكناس، الذي يرأسه عبد الله بوانو، من تسجيل سابقة في علاقة المجالس المنتخبة بالمؤسسات الإعلامية المهنية، عبر مشروع شراكة تم ترجئه لتعميق النقاش فيه خلال أشغال الدورة العادية لشهر فبراير لجماعة مكناس لأهميته وانعكاساته على المؤسسة المنتخبة، ذلك أنه سيصبح أول مجلس ترابي منتخب على الصعيد الوطني “يمأسس” العلاقة بينه وبين منبر صحافي حاصل على الملاءمة القانونية المنصوص عليها في قانون الصحافة والنشر.
وبشكل مثير للانتباه، استطاع مجلس مكناس أن يخرج باجتهاد قانوني جديد منضبط بشكل تام لنصوص القانون 113.14 المنظم لعمل الجماعات، والقانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، كانت خلاصته مشروع شراكة مع مؤسسة صحافية مستقلة بهدف تقديم عدة خدمات إعلامية للمدينة في قضايا تدبير الشأن العام المحلي والتراث والثقافة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والتنمية والرياضة، عبر مقالات مكتوبة وبرامج مصورة، كما سيتيح للمجلس مد جسر إعلامي للتواصل مع سكان العاصمة الإسماعيلية قصد إشراكهم في تدبير شؤون المدينة.
أمور كثيرة تستحق الوقوف عليها في هذه الشراكة التي تنتظر الكثير من المنابر الإعلامية كما المجالس المنتخبة، أن ترى النور لعلها تكون نموذج عمل يُؤخذ به على الصعيد الوطني، في مقدمتها أنها لأول مرة ستجعل العلاقة المادية بين مقاولة إعلامية وبين مجلس منتخب خاضعة للقانون، وتحكمها فصول وبنود واضحة، ما قد يشكل مستقبلا قطيعة مع “سياسة الأظرفة” أو الاحتكام للحسابات السياسوية لتقريب منبر وإبعاد آخر.
هذا دون الحديث عن أھمیة ودور الإعلام اليوم بوسائله الحدیثة المختلفة في بناء المؤسسات سواء كانت عمومية أو خاصة، على اعتبار أنه أصبح حلقة تواصل مھمة وضروریة تحتاجھا كل مؤسسة تتطلع إلى النمو، وواجھة لتسويق انجازاتها وطريق تدبيرها، فكل مؤسسة ناجحة أي كانت تجد أنھا تتمیّز بإعلام قوي ومتمكن والعكس صحیح.
من ناحية أخرى ستصبح جماعة مكناس بهذه الخطوة، أول جماعة على الصعيد الوطني تتحمل مسؤوليتها تجاه دعم الإعلام المسؤول المنضبط لمدونة الصحافة والنشر الجديدة، الإعلام الذي اختار العمل بشكل مقاولاتي مهيكل ومواطن، الأمر الذي سيمهد لتخفيف ثقل دعم المقاولات الإعلامية الملقى بالكامل، إلى حدود اللحظة، على مؤسسة عمومية واحدة هي وزارة الثقافة والاتصال، وفي المقابل سيكون فرصة للمؤسسات المنتخبة الجادة للتدليل على رغبتها في مسايرة عملية تنظيم ودعم الإعلام دون خلفيات سياسية أو حسابات شخصية، بل المأسسة لإعلام مؤسساتي يعتمد على المقاربة التنموية.
وفي مضامين الاتفاقية أيضا ملاحظات مهمة تهم الشق المهني للمؤسسة الإعلامية الراغبة في الحفاظ على استقلاليتها، فالمشروع لا يفرض عليها تغيير خطها التحريري، ولا يلزمها بالاستماع إلى وجهات نظر الأغلبية وإقصاء المعارضة، كما يعهد للجنة مشتركة مهمة تسوية النزاعات والخلافات بين طرفيها، ما يعني أن الاتفاقية لعبت على “المشترك” الذي يخدم المدينة بالدرجة الأولى لا على هذا الطرف السياسي أو ذاك.
وفي انتظار خروج هذه الاتفاقية إلى العلن، والتي يأمل المتتبعون في أن تكون بعيدة عن الحسابات السياسية وفي تغييب تام لمنطق “وضع العقدة في المنشار” و”العرقلة من أجل العرقلة”، تبقى هذه الخطوة مبادرة تستفز باقي المجالس المنتخبة، والمنابر الملائمة للقانون للعمل بشكل مؤسساتي تشاركي على إنتاج إعلام تنموي يقرب المواطن أكثر من قضايا الشأن العام.